بحث متكامل عن البدعة ومعناها
مما جعلني ابحث في هذا الموضوع هو ما نراه هذه الايام على المنتديات بشكل عام من قيام الكثير بنقل مواضيع دينية من المنتديات وهو لا يعرف صاحب الموضوع على الغالب او ما هي درجته العلمية وهل هو مؤهل للكتابة في اكثر المواضيح حساسية الا وهي الفتوى.
والادهى من ذلك ما ابتلينا به وهو ما اسميه انا ( شيخ جوجل) حيث نرى الشخص يبحث على جوجل وياخد دينه منه
ومن المعلوم ان العلم في صدور الرجال لا على الاوراق حتى قال احد علماء الاصول( الرجال وضعوا العلم في بطون الكتب ولكن مفاتيح العلوم في صدورهم) فمن الواجب شرعا تلقي العلم عن مصادره الاصلية.
ومن اكثر المواضيع حساسية هي مسئلة تبديع وتكفير المسلمين بورود حديث معين او دليل معين ويقوم الشخص بالنقل واعتقاد التبديع والتضليل دون علمه ببقية مصادر الشرع او معنى كلمة بدعة بحد ذاتها.
ومن هنا رأيت وبالله التوفيق ان اكتب هذا الموضوع عن البدعة ومعناها وما قال العلماء فيها ليعم المسلم ان اطلاق هذه الكلمة على مصراعيها ليس ما قال به العلماء وليس هذا منهج السلف من علماء الفقه والاصول
فارجو من الله القبول والتوفيق واستعنت ببحثي هذا ببعض كتب اهل العلم من الكبار نرجو لهم المغفرة والعفو
مقدمة
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى ، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وآله وصحبه وإخوانه ،كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون .
أما بعد ، فقد روى الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء به أحدهما )) . وروى في الباب ذاته عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( أيما رجل قال لأخيه يا كافر، فقد باء بها أحدهما )) [ ] . وروى في صحيحه كذلك عن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (( لا يرمي رجل رجلاً بالفسـوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كـذلك )) [ ] .
فالمسلم الذي يرمي أخاه المسلم بالكفر أو الفسوق عليه أن يتقي الله تعالى ويحتاط لدينه ، فإن تلك الكلمة تنطلق إلى من قيلت فيه فإن كان كذلك فقد التقى الوصف بالموصوف ، لكن إن يكن كذلك فإنها ترجع إلى القائل ، إذ يكون بافترائه أحق بها وأهلها . ولا يفوتني هنا أن أذكر بملحوظة هامة ينبغي أن لا تغيب عن النظر ، وهي أن الذي يرمي غيره بالكفر فإنه يرجع إليه إن لم يكن صاحبه كذلك إذا لم يكن القائل متأولاً ، فإذا كان له تأويل بحيث لم يكن رميه لذلك المسلم بالكفر من باب تسمية الإيمان كفراً فلا يكون كافراً خارجاً من الملة ، لكن عليه إثم عظيم .
والسؤال الآن : ما حكم المسلم الذي يرمي أخاه المسلم بالابتداع والضلال ويصبح ويمسي ويقول له أنت مبتدع ضال ؟؟؟
لا يجوز التوقف في أن المرمي بهذه الكلمة إن كان مبتدعاً في عرف الشرع فقد أصابت محلها ، لكن إن لم يكن كذلك فإنها ترجع إلى القائل ، ويلحقه إثمها ووبالها ، وهذا يحتم علينا البحث في معنى البدعة والمراد بالبدعة المذمومة .
ولا خلاف بين أهل العلم في أن البدعة هي الأمر المستحدث الذي لم يسبق إليه ، وهذا لا داعي للتطويل فيه .
أذكر هنا قولاً لعالم كبير ، هو سلطان العلماء في زمانه العز ابن عبد السلام المتوفى سنة [660هـ] :
قال رحمه الله : البدعة منقسمة إلى واجبة ومحرمة ومندوبة ومكروهة ومباحة ، والطريق في معرفة ذلك أن تُعرض البدعة على قواعد الشريعة ، فإن دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة ، وإن دخلت في قواعد التحريم فهي محرمة ، وإن دخلت في قواعد المندوب فهي مندوبة ، وإن دخلت في قواعد المكروه فهي مكروهة ، وإن دخلت في قواعد المباح فهي مباحة .
وضرب أمثلة لكل نوع من أنواع الأحكام الخمسة ، وجعل من البدع المحرمة مذاهب القدرية والجبرية والمرجئة والمجسمة ، وجعل الرد على هؤلاء من البدع الواجبة ، ومن البدع المندوبة عنده إحداث المدارس وصلاة التراويح ، ومن المكروهة زخرفة المساجد وتزويق المصاحف ، ومن المباحة المصافحة عقب صلاة الصبح والعصر [ ] .
فهل لأصحاب هذا القول أدلة من الكتاب والسنة وعمل السلف على أن المستحدثات في الدين ليست محرمة بإطلاق ؟ هذا ما أحاول الجواب عنه بإذن الله تعالى .
الاستدلال بالكتاب والسنة
1 ـ قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعبدوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ ] .
وجه الاستدلال أن الله تبارك وتعالى أمر المؤمنين بفعل الخير أمراً مطلقاً ، فالظاهر الإذن في فعل كل ما يظهر خيره وتتحقق مصلحته إلا إذا كان مندرجاً تحت نص من نصوص النهي .
لكن قد يقال : إن الآية الكريمة تحتمل هذا وتحتمل الأمر بفعل الخيرات والمبرات التي ثبت الإذن فيها شرعاً ، (( وإذا تردد اللفظ بين احتمالين لم يكن صرفه إلى أحدهما أولى من صرفه إلى الآخر )) [ ] .
ولذا فما أراه هو الاستدلال بالأدلة الواضحة الدلالة على المعنى المراد إثباته ، وعدم تحميل النصوص أكثر مما تحتمل .
2 ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده )) . قال الإمام النووي رحمه الله تعالى : وفي هذا الحديث تخصيص قوله صلى الله عليه وسلم (( كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة )) وأن المراد به المحدثات الباطلة والبدع المذمومة ، وقد سبق بيان هذا ، وذكرنا هناك أن البدع خمسة أقسام [ ] .
أقول : لكن الاستدلال بهذا الحديث يدخله مثل ما يدخل الآية المتقدمة من الاحتمال .
3 ـ عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( دعوني ما تركتم ، إنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما اسـتطعتم )) . وفي رواية (( بكثرة سؤالهم)) [ ] .
أقول وبالله تعالى التوفيق : في هذا الحديث دلالة قوية واضحة على أنه ليس كل مسكوت عنه محرماً ، لأنه قسم الواجب على المكلف إلى قسمين :
• أحدهما يجب فعله على قدر الاستطاعة وهو المأمور به .
• وثانيهما يجب اجتنابه وهو المنهي عنه .
ولو كان كل مسكوت عنه محرماً لقال فإذا نهيتكم عن شيء أو لم أقل فيه شيئاً فاجتنبوه ، فتأمل .
4 ـ عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه فال : (( إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها ، وحدّ حدوداً فلا تعتدوها ، وحرّم أشياء فلا تنتهكوها ، وسـكت عن أشياء رحمة لكم من غير نسـيان فلا تبحثوا عنها))[ ].
أقول : هذا الحديث نص في أن الله تعالى سكت عن أشياء رحمة للأمة ، ولعله كان من الحكمة أن لا يسأل الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها لئلا ينـزل فيها تحريم بسبب السؤال ، فإذا انتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم فليبحث المجتهدون في إلحاقها بما يناسبها ، فيكون للمصيب أجران وللمخطئ أجر واحد ، فيقع التفاوت في الأجر ، ولو سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها وبيّن حكمها لوجب امتثال حكمه ولما وقع ذلك التفاوت ، والله أعلم .
5 ـ عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : بينما نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال رجل من القوم (( الله أكبر كبيراً ، والحمد لله كثيراً ، وسبحان الله بكرة وأصيلاً )) ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من القائل كلمة كذا وكذا ؟ . قال رجل من القوم : أنا يا رسول الله . فقال صلى الله عليه وسلم : (( عجبت لها ، فتحت لها أبواب السماء )) [ ] .
أقول : الظاهر من سياق الرواية أن ذلك الصحابي لم يكن قد سمع من النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً في جعل هذا الذكر في استفتاح الصلاة ، ولو كان ذلك عن أمره وتعليمه لما عجب لذلك ، وإنما كان ذلك عن اجتهاد من ذلك الصحابي ، ومحل الشاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم أقره على ذلك الاجتهاد ، ولو كان من المحظور على المرء المسلم أن يأتي بشيء في العبادة دون دليل خاص لأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، ولقال له كيف تفعل في الصلاة شيئاً قبل أن آذن لك فيه ؟! .
6 ـ عن أبي سعيد الخدري قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية ، فنزلنا بقوم ، فسألناهم القِرى ، فلم يَقْرونا ، فلدغ سيدهم ، فأتونا ، فقالوا : هل فيكم من يرقي من العقرب ؟ . قلت : نعم ، أنا ، ولكن لا أرقيه حتى تعطونا غنما . قال : فأنا أعطيكم ثلاثين شاة . فقبلنا فقرأت عليه الحمد لله سبع مرات ، فبرأ ، ... فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت له الذي صنعت ، فقال : وما علمت أنها رقية ؟! اقبضوا الغنم واضربوا لي معكم بسهم [ ] .
أقول : لم يكن أبو سعيد الخدري يعلم أن الفاتحة رقية ، وأنها تُقرأ سبع مرات ، ولكن هكذا اجتهد وهكذا ألهمه الله عز وجل ، ولم ينكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم اختيار سورة الفاتحة ولا اختيار العدد في الرقية .
7 ـ عن رفاعة بن رافع الزُرَقي رضي الله عنه أنه قال : كنا يومَ نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم , فلما رفع رأسه من الركعة قال سمع الله لمن حمده ، قال رجل وراءه (( ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه )). فلمـا انصرف قال : من المتكلم ؟. قال : أنا . قال : رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أول [ ] .
وهذا إقرار من رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي قال هذه الكلمات ، وقد يكون قائلها قد سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم من قبل ، لكن الظاهر أنها ليست مما علمه أن يقوله في الصلاة ، وأنه قالها في ذلك الاعتدال اجتهادا منه بإلهام من الله تبارك وتعالى ، فتقبلها منه ، وأنزل بضعة وثلاثين ملكا يتسابقون أيهم يكتب قبل غيره ، لعظيم فضلها ورفعة شأنها .
8 ـ عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سرية , وكان يقرأ لأصحابه في صلاته فيختم بقل هو الله أحد ، فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : سلوه لأي شيء يصنع ذلك ؟ . فسألوه ، فقال : لأنها صفة الرحمن ، وأنا أحب أن أقرأ بها . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أخبروه أن الله يحبه [ ] .
وهذا الحديث ظاهر في أن أمير السـرية كان يختم القراءة في الصلاة بـ { قل هو اللهُ أحد } اجتهاداً منه ، لأنه صفة الرحمن جل وعلا ، فكان جزاؤه أن يحبه الله تعالى لحبه إياها .
9 ـ روى نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك [ ] . وروى سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه مثل ذلك ، وزاد في آخره : لا يزيد على هؤلاء الكلمات [ ] .
وذكر جابر بن عبد الله رضي الله عنهما إهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالتلبية ، بمثل حديث ابن عمر ، وقال : والناس يزيدون (( ذا المعارج )) ونحوه من الكلام ، والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع فلا يقول لهم شيئاً [ ] .
وكان عمر رضي الله عنه يهل بإهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك وسعديك ، والخير في يديك لبيك ، والرغباء إليك والعمل . وكان ابن عمر يقول نحواً من هذه الكلمات كذلك [ ] . وربما كان عمر يزيد : لبيك مرغوبا ومرهوبا ً ، لبيك ذا النعماء والفضل الحسن [ ] . بل جاء من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في تلبيته : لبيك إله الخلق لبيك [ ] . فلعله قالها مرة بصوت غير رفيع فسمعها من يليه دون سائر الناس .
فظاهر من هذا أن للتلبية ألفاظاً كان النبي صلى الله عليه وسلم علمها الناس ، وكان يلتزم بها ، ورواها عنه جماعة من الصحابة ، لكنه كان يسمع بعض الناس يزيدون (( لبيك ذا المعارج )) ونحوها فلا يقول لهم شيئاً ، وربما زاد هو عليه الصلاة والسلام مرة (( لبيك إله الحق لبيك ))، وفي هذه السعة زاد عمر وابن عمر بعض الألفاظ في التلبية .
قد يقال : إن هذا لا دلالة فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أذن في الزيادة على ألفاظ التلبية . والجواب : هل استأذن الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الزيادة ؟!! وقد كان جابر رضي الله عنه قريبا من رسول الله عليه الصلاة والسلام في تلك الرحلة المباركة ، يرصد أحوال المناسك ، فالظاهر أنه يذكر استئذان الناس في زيادة الألفاظ لو وقع ، وإذ لم يذكر ذلك فالظاهر عدم الوقوع .
وإذا كان كثير من الناس قد انطلقوا يلبون بتلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم ويزيدون فيها فهذا يعني أنه قد استقر في أذهانهم _وهم في أواخر السنة العاشرة _ أن باب الأذكار فيه سعة ، وأن مثل تلك الزيادة تعبر عما في مكنون كثير من القلوب من مشاعر إيمانية وخضوع وتضرع وابتهال لله رب العالمين ، بينما يؤْثر آخرون الالتزام بتلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي علمها للناس والتزم هو بها ، وكل على خير.