أليس من حقنا أن نتساءل بمقتضى فريضة المراجعة عن 5.1 مليار دولار تدخل جيب الوطن العربي مع إشراقة شمس كل صباح؟!, أليس من حقنا أن نتساءل عن مليارات الدولارات التي منحتها الدول العظمى للعالم الإسلامي ومنه فلسطين المحتلة التي وصلها 9.1 مليارات دولار جاءت للسلطة الوطنية الفلسطينية منذ تأسيسها وحتى نهاية عام 2008م؟!
أين يذهب المال؟! وما الثمن الذي ندفعه في المقابل؟! إلام تتجه الأموال, أإلى بشر ؟!أم إلى حجر؟!, ما الذي قدمه العرب والمسلمون حضارياً للعالم في مجال البحث والتأليف والاختراع؟! بل لماذا بقعةٌ من الجغرافيا تمتلك هذه الأرقام المالية المفزعة تعيش هذه الحالة المخجلة من الركود والضعف والتخلف؟! حقاً إن شر البلية ما يضحك!.
يبلغ تعداد المسلمين في العالم قرابة مليار ونصف المليار نسمة أي ما يعادل خُمس سكان العالم, وفي المقابل يبلغ عدد اليهود في العالم 14 مليون نسمة فقط.
وإزاء هذه المفارقة العددية العجيبة, نسوق ما هو أعجب وأغرب, ففي آخر 105 سنوات، فاز اليهود بـ180 جائزة نوبل. في حين فاز المسلمون بـ3 جوائز نوبل فقط. في العالم الإسلامي توجد 500 جامعة, وفي الهند 8407 جامعات، وفي أميركا 5758 جامعة.
في مسابقة أخيرة عام 2008م لأفضل 500 جامعة في العالم لم تفز جامعة إسلامية أو عربية واحدة في المسابقة, في حين فازت ست جامعات إسرائيلية في القائمة نفسها.
وفي عالم الاختراع في العصر الحديث تمكن علماء يهود من اختراع، الحقنة الطبية، لقاح شلل الأطفال، دواء سرطان الدم، دواء الكبد الوبائي، دواء مرض الزهري، حبوب منع الحمل، المفاعل النووي، الألياف الضوئية، إشارات المرور، الميكرفون والجرامافون ومسجل الفيديو والأفلام المسموعة, فماذا اخترع المسلمون؟!
أذيال الاستهلاك
كم سمعنا عن اسطورة اللوبي الصهيوني الوازن وعن صولجانه, وإنجازاته التترى في الولايات المتحدة الأمريكية لصالح بني صهيون, ولم نسمع يوماً عن لوبي عربي أو إسلامي على الرغم من أن الحق كل الحق معهم!
إن نسبة التعلم في دول الغرب 90 في المئة، وفي العالم الإسلامي 40 في المئة, ونسبة دخول الجامعات في دول الغرب 40 في المئة، في مقابل 2 في المئة فقط للعالم الإسلامي. وإن 230 عالماً مسلماً بين كل مليون مسلم، في مقابل 5000 عالم أميركي بين كل مليون.
أين ذهبت ملايين الدولارات؟!, وما الوزن العلمي والمعرفي لملايين البشر المسلمين في العالم؟! إنه غثاء السيل الذي لم يغن عنا من الله شيئا, فضاقت بنا الأرض بما رحبت, وولينا مدبرين نجر أذيال الاستهلاك.
نعم العالم الإسلامي أغنى بقاع الأرض وفيه المخزون الأكبر من بترول العالم, ولكن الاستثمار الإسلامي كان وما زال في الحجر وليس في البشر, ونسي المسلمون ولا يزالون أن بناء الإنسان أولى من إقامة البيان.
هو الإنسان الذي بناه رسول الله صلى الله عليه وسلم بناء دينياً دنيوياً محكماً, فصال به وجال وخاض المعارك الفكرية والعلمية والعسكرية منتصراً, وبنى بذلك الإنسان حجارة المجتمع وبنيته التحتية المادية التي دامت طويلاً لأن الإنسان ذاته قدر قيمتها ووعى مكانتها فحافظ عليها ولم يعبث بها.
كم يبلغ حجم إنفاقنا على منح التعليم العالي؟ وكم يبلغ حجم إنفاقنا على بناء الجسور والبروج ورصف الشوارع؟! كم يبلغ حجم إنفاقنا على الإبداع والمبدعين والفكر والمفكرين؟!, وكم يبلغ حجم إنفاقنا على القصور الرئاسية والملكية وعلى خطط حمايتها حتى من الذباب؟! المفارقة مخزية وتدعو للمراجعة
وفي فلسطين المحتلة وجدنا كل دولار دخل جوف كل فلسطيني قابله ثمن سياسي وأمني وفكري وتعليمي, وشاهدنا مسيرات الموظفين لدى السلطة بعد انتخابات 2006م وهي تخرج في شوارع الوطن تكسر وتخرب المرافق العامة ليس لأن الأعور الدجال قد ظهر في الأرض!, وإنما لأن رواتبهم منعت عنهم بعد أن انسدت حنفية التنازلات.
انهزموا ولم ننتصر
وسطر التاريخ بحروف من ذل الانكسارات العربية المتتالية أمام المجموعات المسلحة اليهودية التي اجتمعت وكونت "جيش الاحتلال الاسرائيلي", ولعل أخزى هزيمة للعرب تلك التي قاد فيها الجنرال البريطاني "غلوب باشا" الجيوش العربية في حرب 1948م!, وما تلاها من نكسة للجيوش العربية مجتمعة في ست ساعات وليس في ستة أيام عام 1967م, ولقد قال الزعيم الصهيوني "بن غوريون": نحن لم ننتصر على العرب في أي حرب بل هم الذين كانوا ينهزمون أمامنا في كل مرة".
ولولا أن خطة أخرى في الخفاء عنيت بالإنسان لما استطاعت غزة أن تصمد ساعة واحدة تحت ضربات العدو في آخر حروب (إسرائيل) 2008/2009م, ومن عجائب الزمن أن الذي كان في المواجهة هذه المرة ليست الجيوش العربية المجتمعة, بل الفلسطيني الإنسان.
إن أرادت الأمة نهوضاً وأرادت فلسطين تحرراً فليكن الإنسان هدفاً ووسيلة, وليتحول الاستثمار فيمن شيمته الانهيار أمام الصواريخ, إلى الاستثمار فيمن شيمته الصبر ومواجهة الأنواء, قائلاً: لن تمروا إلا على جثتي ولن أموت إلا واقفاً كالأشجار.