الوفاء .من .اخلاق المسلم..
لم يحضر أنس بن النضر غزوة بدر، فحزن لذلك، ثم قال: يا رسول الله، غبتُ عن أول قتال قاتلت المشركين فيه، ولئن أشهدني الله مع النبي صلى الله عليه وسلم قتال المشركين ليرين ما أصنع. وهكذا أخذ أنس بن النضر عهدا على نفسه بأن يجاهد ويقاتل المشركين، ويستدرك ما فاته من الثواب في بدر، فلما جاءت غزوة أحد انكشف المسلمون، وحدث بين صفوفهم اضطراب، فقال أنس لسعد بن معاذ: يا سعد بن معاذ، الجنة ورب النضْر، إني لأجد ريحها من دون أحد، ثم اندفع أنس يقاتل قتالا شديدا حتى استشهد في سبيل الله، ووجد الصحابة به بضعا وثمانين موضعا ما بين ضربة بالسيف أو طعنة بالرمح أو رمية بالسهم، ولم يعرف أحد أنه أنس بن النضر إلا أخته بعلامة في إصبعه.
[متفق عليه].
فكان الصحابة يرون أن الله قد أنزل فيه وفي إخوانه قوله تعالى: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا} [الأحزاب: 23].
***
كانت السيدة خديجة -رضي الله عنها- زوجة رحيمة تعطف على النبي صلى الله عليه وسلم، وتغمره بالحنان، وتقدم له العون، وقد تحملت معه الآلام والمحن في سبيل نشر دعوة الإسلام، ولما توفيت السيدة خديجة -رضي الله عنها- ظل النبي صلى الله عليه وسلم وفيا لها، ذاكرا لعهدها، فكان يفرح إذا رأى أحدا من أهلها، ويكرم صديقاتها.
وكانت السيدة عائشة -رضي الله عنها- تغار منها وهي في قبرها، فقالت للنبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم: هل كانت إلا عجوزا قد أبدلك الله خيرا منها؟ فغضب النبي صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا، وقال لها: (والله ما أبدلني الله خيرا منها؛ آمنتْ بي إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها الولد دون غيرها من النساء) [أحمد]. وهكذا ظل النبي صلى الله عليه وسلم وفيا لزوجته خديجة -رضي الله عنها-.
***
ضرب صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم من الأنصار (وهم أهل المدينة) أروع الأمثلة في الوفاء بالعهد، فقد بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم على الدفاع عن الإسلام، ثم أوفوا بعهدهم، فاستضافوا إخوانهم المهاجرين واقتسموا معهم ما عندهم، حتى تم النصر لدين الله.
فعن عوف بن مالك -رضي الله عنه- قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم تسعة أو ثمانية أو سبعة، فقال النبي: (ألا تبايعون رسول الله؟). فبسطنا أيدينا، وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، فعلام نبايعك؟ قال: (على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، والصلوات الخمس، وتطيعوا) وأسر كلمة خفية، قال: (ولا تسألوا الناس شيئا). قال عوف بن مالك: فقد رأيتُ بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم (ما يقود به الدابة)، فما يسأل أحدا أن يناوله إياه. [مسلم].
***
كان عرقوب رجلا يعيش في يثرب (المدينة المنورة) منذ زمن بعيد، وكان عنده نخل ينتج تمرا كثيرا. وذات يوم جاءه رجل فقير مسكين يسأله أن يعطيه بعض التمر، فقال عرقوب للرجل الفقير: لا يوجد عندي تمر الآن، اذهب ثم عد عندما يظهر طلع النخل (أول الثمار). فذهب الفقير، وحينما ظهر الطلع جاء إلى عرقوب، فقال له عرقوب: اذهب ثم عد عندما يصير الطلع بلحا.
فذهب الرجل مرة ثانية، ولما صار الطلع بلحا جاء إلى عرقوب، فقال له: اذهب ثم ارجع عندما يصير البلح رطبا، وعندما صار البلح رطبا حضر الرجل إلى عرقوب، فقال له عرقوب: اذهب ثم ارجع عندما يصير الرطب تمرا، فذهب الرجل. ولما صار الرطب تمرا صعد عرقوب إلى النخل ليلا، وأخذ منه التمر، وأخفاه حتى لا يعطي أحدا شيئا منه، فلما جاء الفقير لم يجد تمرا في النخل، فحزن لأن عرقوب لم يف بوعده. وصار عرقوب مثلا في إخلاف الوعد، حتى ذم الناس مُخْلف الوعد بقولهم: مواعيد عرقوب.