كتراكت تاريخ
يقف الفندق العريق علي صخرة من الجرانيت الأحمر بطرازه الإنجليزي الذي ظهر أول إعلان له في جريدة “الايجيبشيان جازيت ” عام 1889 وعندما زاد الطلب العالمي عليه لم تجد إدارة الفندق أمامها سوي ابتكار طريقة جديدة تستوعب زيادة عدد النزلاء وهي إقامة خيام للإقامة.. وانتشرت شهرة الفندق.. فاضطرت إدارته إلي مضاعفة غرفه «60 غرفة» لتصل إلي 120 غرفة وجري افتتاحه بعد ذلك وحضر افتتاح المطعم الرئيسي له عام 1902 الخديو عباس حلمي حاكم مصر وقتها وديوك كونت ابن الملكة فيكتوريا واللورد كرومر والشاب الإنجليزي ونستون تشرشل الذي أرسي حجر الأساس لخزان أسوان في ذلك الزمان وأيضاً جون ايرد مهندس سد أسوان.
الفندق الذي يتميز بطابعه الفيكتوري لا يخلو الداخل فيه من الطابع الشرقي المميز، فالمطعم الرئيسي مقام علي الطراز الأندلسي ذي قبة ارتفاعها 75 قدماً، وأعمدة مستوحاة من مسجد ابن طولون.. أما أشهر الأماكن فيه فهو التراس فهو يمكن الضيوف والنزلاء من رؤية غروب الشمس وهي تنزل في حضن الجبل، المترامي والبعيد بلا مدي.
”جريمة علي النيل”
هذا الصرح الأسطوري يفتح خزائن الحكايات والقصص المتعلقة به منذ نشأته التي تزيد علي 122 سنة فيحمل السجل الخاص بضيوفه ونزلائه شخصيات عالمية شهيرة مثل أجاثا كريستي الروائية والأديبة الإنجليزية التي فاقت شهرتها الآفاق، لما لاقته مؤلفاتها عن الحكايات البوليسية من شهرة واسعة، فهي لها جناح خاص بالفندق يحمل اسمها وداخل كتراكت أسوان، كتبت روايتها الشهيرة «جريمة علي النيل» التي تحولت إلي فيلم سينمائي، جري تصويره بداخل الفندق.. فقد كان «النيل» ملهماً لخيالها وربما كان ملهماً لخيال الكثيرين، حيث يقع الفندق في منطقة تفوق القدرة علي الوصف فالشريان يمر عبر منطقة ضيقة محصورة بين جبلين من الصخر الجرانيتي، الذي يجذب الأنظار وعلي بعد أمتار قليلة منه توجد حديقة مدرجة اسمها حديقة فريال، نسبة إلي الملكة السابقة التي كانت تعتاد النزول في الفندق مع بقية أفراد العائلة المالكة «أسرة محمد علي».
وبداخله يوجد جناح مميز يقال عنه «الجناح الملكي»، وهو المفضل لدي الملك فؤاد ملك مصر والسودان في زمنه.. وكان من ضيوفه ونزلائه النحاس باشا، زعيم الوفد، ورئيس وزراء مصر الأسبق، فقد كانت أسوان وما زالت «المشتي» المفضل لدي المشاهير في العالم، يذهبون إليها قاصدين هذا الفندق العريق صاحب الشهرة التاريخية.. وكان من رواده أيضاً الأمير محمد أغاخان، الذي اختار مدفناً له علي مرمي الفندق.. ولهذا المدفن قصة تتبادر إلي الذهن عندما يأتي الحديث عن فندق كتراكت.. فكان الأغاخان وهو أمير الطائفة الإسماعيلية، يأتي إلي مصر وارتبط بعلاقات وطيدة مع أسرة محمد علي في زمن الملك فؤاد وبعده فاروق وفي إحدي زياراته كانت العائلة المالكة تعد حفلاً أسطورياً لمكلة جمال العالم القادمة من أوروبا.. اسمها «إيفيت» ووقع الأمير محمد أغاخان في هواها من النظرة الأولي.. وكان برنامج الاحتفاء بزيارة ملكة جمال العالم يتضمن زيارة أسوان.. وكان اللقاء الثاني بين أغاخان وإيفيت في أسوان.. وكان الزواج من الفتاة التي غيرت اسمها إلي «البيجوم أم حبيبة»، لم تنقطع زيارات أغاخان عن كتراكت ومدينة أسوان التي اعتاد زيارتها بعد نصيحة من أطبائه بأن يدفن جسده في رمالها الساخنة للعلاج من أمراض روماتيزمية في الساقين.. ومن شدة عشقه لهذه الرمال، التي كان يشاهدها من جناحه في الفندق قرر أن يدفن فيها.. فطلب من جمال عبد الناصر شراء قطعة أرض.. وتحقق له طلبه كهدية من الدولة لأحد الشخصيات العاشقة لمصر.. وبني مقبرته عليها.. ودفن فيها بعد موته، وكانت البيجوم أم حبيبة تأتي سنوياً لزيارته والإقامة في المكان الذي كان يتردد عليه زوجها، «فندق كتراكت» ومن فرطه عشقها للمكان الذي كانت تراه من شرفات الفندق طلبت أن تدفن مع زوجها بعد موتها، وتحقق لها ذلك عام 2000، إنه سحر المكان الذي شهد أروع أساطير الغرام بين الأمير وملكة الجمال، فهي كانت تأتي سنوياً لتضع الورود الحمراء علي المقبرة في الضفة الأخري من النيل.
وفي فندق كتراكت كان الرئيس الراحل أنور السادات يلتقي ضيوفه ويقضي أياماً في الشتاء فيه وفيه التقي وفوداً وزعماء من جميع البلدان، وفي أروقته جرت المفاوضات مع «هنري كيسنجر» وزير الخارجية الأمريكي حول الكثير من القضايا..
ففي إحدي زيارات «كيسنجر» للسادات في مدينة أسوان طلب منه تسليم «هبة سليم» التي كانت تعمل لحساب الموساد الإسرائيلي.. واحتد عليه السادات رافضاً طلبه و«هبة» التي دارت بشأنها المفاوضات داخل الفندق بين السادات والوزير الأمريكي هي التي جاءت قصتها في فيلم «الصعود إلي الهاوية» فالفندق لم يكن مجرد مبني فندق سياحي عابر بين الفنادق.. ولكن صنعه التاريخ، وفي أروقته كان مشاهير العالم يقضون أوقاتهم بعيداً عن الضجيج والصخب.. كانوا يأتون للاستمتاع بالخيال.. بالنيل.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]