بين الأقوال والأفعال
لو سألت أي إنسان هل تحب الخير للناس ؟ سيجيبك : نعم
و لو سألت أي شخص هل تحب الظلم و القهر؟ و العدوان سيجيبك : لا
و لو سألت أي فرد هل تحب الحرب و الدمار و الخراب ؟سيجيبك : لا
و لو سألت أي إنسان هل تحب الألفة و المحبة و المودّة و الرحمة؟ سيجيبك : نعم
فهل يعني هذا أن كل الناس يحبون الخير و يكرهون الشر ّويميلون إلى الجمال و يبتعدون عن القبح في القول و الفعل و المظهر ؟ .
و لو كان ذلك صحيحا فلماذا نجد أن المجتمع ساد فيه الشرّ و الكذب و النفاق و الزيف و طغت فيه الأنانية والفردية ؟
هذا التناقض بين الذي نسمعه من تصريحات وبين الواقع المعاش يدل علي أن هناك فرق كبير بين ما يقال وبين ما يتم عمله أو بين القول والفعل . فالذي يحدثك عن العدل والمساواة والخير لجميع الناس فهو في الواقع لا يبحث إلا عن التباهي بنفسه أمامك بإظهارها في صورة حسنة , لذلك فلا يجب أن نغتر كثيرا بما نسمعه من خطب رنانة مليئة بالوعود الزائفة والأماني الكاذبة يلقيها علينا أشخاص تميزوا سلبا بجشعهم وجبروتهم وحبهم المفرط لذواتهم . يجب أن نعرف دائما أن الخبر في البلاغة كلام , والكلام يحتمل الصدق والكذب ومع الأسف نجد نسبة الكذب أكثر بكثير من نسبة الصراحة وهو ما يدل علي أن الكلام سهل ولكن الفعل غاية في الصعوبة فمتى يأتي اليوم الذي توافق فيه النظرية الممارسة ؟
تعدك حبيبتك على الوفاء ، و بأنها لا ترى في العالم إلا أنت و بأنّها لا تهتمّ بالمادة
لا بالهدايا و لا بالذهب والمجوهرات و بأنها تقبل العيش معـــــك مهما كانت ظروفك ، من أجل بناء عشّ الزوجيّة ، و بأنها لا تعيش إلا بنبض قلبك و بأنها مستعدّة بأن تضحي بحياتها من أجــــلك , لكنّك بعد مدّة تكتشف أن حبيبتك فضّلت عليك شخصا غنيا و ليس له مستوى تعليمي و سنّه ضعف سنّك. فتعرف أن القول و الفعل متباعدان إلى أبعد الحدود.
يحدثك احدهم عن حب الإنسان للإنسان ، و عن الخير لكل البشر ، و يحدثك عن التضحية بالنفس في سبيل الجماعة و مــن أجـــل الارتقاء بالوطن إلى أعلى الدرجات ، يحدّثك عن التعاون و التآزر و التكـافل الاجتماعي و يوصيك بضرورة مساعدة الآخرين من المحتاجين و المساكين ، و يؤكد لك أن سعادة الإنسان لا تتحقق إلا بسعادة المجتمع الذي يعيش فيه ، و يحثّك على ضرورة التحلي بالقيم الإنسانية الفاضلة . ثمّ تسمع في الغد أنه سافر إلى الخارج و قد اختلس من أموال المؤسسة التي كان يعمل بها مبلغا ضخما . أليس هناك تناقض بين القول والعمل ؟؟؟؟
يحدّثك احدهم طويلا عن يوم الحساب يوم لا ينفع مال و لا بنون الا من اتى الله بقلب سليم و يحدثك عن الجنّة التي وعد الله بها المتقين من عباده و يحدّثك عن الجحيم الذي ينتظر الخونة و المرتدّين من السّفلة و يحدّثك كثيرا عن راحة القلب و اطمئنان النفس لفعل الخير و طاعة الله و رسوله ، فتشعر براحة لا توصف ، و تقرر أن تهب حياتك كلّها لنيل رضاء الله و إتباعا لطريق الحقّ . لكنّك تكتشف بعد ذلك أنّ محدّثك يتّخذ الدين ستارا يحجب به جرائمه و يحقق من خلاله أطماعه الدنيوية الزائلة أليس هناك تناقض صارخ بين الأقوال والأفعال ؟؟؟؟
فهل نستطيع أن نتخلص من هذا التناقض في مجتمعاتنا , ونصدق القول مع أنفسنا , ونخاف الله في ما بين أيدنا من مسئوليات ومهام , ونحافظ علي الأمانة من اجل سعادتنا وسعادة الآخرين في الدنيا والآخرة .
منقول ...
مع تحياتي للجميع